مقالات الرأي
أخر الأخبار

محاصرة الأجندة الحربية

 

 

قرشي عوض

 

ليس قدراً مكتوباً علينا أن تستمر الحرب، ويمكن جداً محاصرة الأجندة الحربية بحضورٍ جماهيريٍ يفرض الحل السلمي.

لكن دون ذلك يقف عدم الوضوح المتَّبع من قبل القوى السياسية المدنية في تحديد مكامن الخطر والعمل على حلها، وذلك لموقفها الملتبس من أطراف النزاع التي تعمل على فرض أجندتها عن طريق استدامة الحرب.

لأن تلك الأجندة بطبيعتها يصعب الوصول إلى توافق حولها، لكونها تستهدف في الأساس وجود الكيانات المتحاربة، ولا يمكن لأي جهة أن تصل إلى اتفاقٍ يقتضي إزاحتها من المسرح، إلا إن كان ذلك الاتفاق في حقيقته توقيعاً على شروط الاستسلام.

فإذا نظرنا إلى قوات الدعم السريع نجدها تتبنى تصوراً لا يمكن مجرد القبول بالتفاوض حوله، ناهيك عن الوصول إلى اتفاقٍ بشأنه، مثل حل الجيش السوداني وتكوين جيشٍ جديد من القوى التي تحمل السلاح، وهي تقصد دمج قواتها داخل الجيش وبالطريقة التي تحددها هي.

ويردد الإخوة في القوى السياسية المدنية هذا التصور وكأنه ينطوي على قدرٍ من الحكمة، وهم يعلمون جيداً أن إعادة الدمج تعني الدمج في المجتمع لا في الجيش.

كما أنه لا توجد جهة سياسية تمتلك حق التصرف في الجيش، باعتبار أن ملكيته تعود إلى الشعب السوداني.

هذا فوق أن هذه الخطوة، إن حدثت، فلن ينتج عنها قيام جيشٍ وطنيٍ قائمٍ على عقيدةٍ قتاليةٍ وطنية، بل سينتج عنها جيشٌ قائمٌ على المحاصصات القبلية بحكم التكوين الإثني لحركات الكفاح المسلح، ولـقوات الدعم السريع تحديداً، مما يدفع التكوينات القبلية الأخرى إلى تكوين جيوشٍ للمطالبة بحصتها في الجيش الجديد، وبذلك تتحول الحرب إلى حربٍ أهلية فعلاً لا قولاً.

أيضاً، الجيش يتبنى أجندةً حربيةً غير قابلةٍ للتفاوض حولها، مثل إصراره على الحكم وفرض تصورٍ سياسيٍ معينٍ بالقوة (على طريقة نحن البلد شلناها بالسلاح، والعايزا يجيب سلاحه ويجينا)، دون إفساح المجال للاختلاف معه بالطرق المدنية السلمية، مما يغذي النزعة الحربية لدى الطرف الآخر.

أما الوساطة الدولية، فإنها تنظر إلى القضية كنزاعٍ بين طرفين يجب التوفيق بينهما باستخدام الجزرة والعصا، في حين أن القضية الأساسية تتمثل في الانتقال المدني الديمقراطي، وبناء دولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، وتصفية المليشيات، واحتكار العنف بواسطة المؤسسة العسكرية الخاضعة لرقابة السلطة المدنية.

وإذا لم نبدأ من هنا في التعامل مع الهدنة المتوقعة، فإنها ستنهار.

ولكن يجب ألا ننتظر حتى تصل الأوضاع إلى هذه النقطة، بل يجب حضور الشعب والتفافه حول مطالبه، التي يمكن إجمالها في ضرورة الانتقال من واقع التجزئة والاحتراب إلى واقع الحياة المؤسسية الكاملة.

المراكز الغربية تتبنى الحلول التوافقية بدلاً من الحل الجذري، لاعتقاد القائمين على أمرها أن المعايير الدولية المعتمدة في ميثاق حقوق الإنسان تتناسب مع الدول المتقدمة، لأن الحضارة الغربية هي الوحيدة المؤهلة للوصول إلى مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولذلك، عند تصميمها لحل النزاعات في العالم الثالث، تميل إلى مراعاة واقع التخلف واستصحابه لسجن تلك الدول فيه، بما يضمن استدامة الوصاية الدولية.

وهي نظرية الاستعمار القديم التي زعم مروّجوها أن من واجب الدول الأوروبية الأخذ بيد “الشعوب البربرية” في مراقي الحضارة كواجبٍ أخلاقي “للرجل الأبيض”، ولا جناح عليه إن هو استخدم العنف لإنجاز تلك المهمة.

وهذه النظرية تعود الآن، وتتعامل بها مراكز حل النزاعات في الغرب باسم صراع الحضارات.

ولذلك يجب التعامل بحذرٍ مع ما يصدر عن المجتمع الدولي، وألا نتعامل معه باعتباره القول الفصل في قضيةٍ أهلها أعلم بتفاصيلها من المراقبين، حتى وإن خلصت النوايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى