مقالات الرأي
أخر الأخبار

توضيح لمنشور (داجو مدني)

أبوعشر تدفع ثمن التصالح مع السكن العشوائي

✍️ أبوعاقلة أماسا

هنالك منشور متداول بشكل مكثّف خلال الساعات الـ(72) الماضية، يتناول تواجد الجنوبيين بمنطقة أبوعشر وما تسبّبوا فيه من فوضى. وبصفتي أحد أبناء المنطقة، ومن المهتمين بأمنها واستقرارها، رأيت أن أُسهم في إلقاء الضوء على القضية عبر منشورٍ توضيحي لتركيز بعض المعلومات المنشورة باسم (داجو مدني)، وإضافة وتوضيح بعض الجوانب.

أولاً: أنا متواجد الآن في أبوعشر، ولم أغادرها إلا لفترات قصيرة منذ الأشهر السبعة الأولى من الحرب وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر. أستقرّ في منزلي حيث وُلدت ونشأت، وأتواجد بشكل يومي في سوق المدينة، وأستطيع القول – وكلي ثقة – إن كاتب المنشور صدق في جزءٍ أساسي من المعلومات، لكنه مال إلى التضخيم أكثر، وقد انتشر هذا المكتوب وأخذ منحى لا يخلو من الخطر.

ثانياً: هنالك تواجد للجنوبيين، لكنه ليس بالحجم الذي ذكره صاحب المنشور. وقد كنت – وما زلت – مهتماً بالتواجد الأجنبي، ليس في أبوعشر وحدها، وإنما في السودان كله، لعلمي التام بأنه جزء من معاناتنا، ليس لأنهم أجانب فقط، بل لأن بعضهم شارك فعلياً مع المليشيا الغاصبة والمغتصِبة.

عدد الجنوبيين في أبوعشر ليس ضخماً ولا مخيفاً، ولعلّ كاتب المنشور خلط بين الجنوبيين و(الأنقولو)، والأنقولو يتبعون لمجموعات جبال النوبة وليسوا أجانب. والمعلومة الصحيحة أنهم أسسوا السكن العشوائي في الجزء المخصص للاستثمار في سوق أبوعشر وما حوله، وقد تحوّل ذلك الحي العشوائي إلى بؤرة فوضى قبل الحرب. وسبق أن كتبت منادياً بضرورة إزالة هذه البؤرة حفاظاً على أمن المنطقة والسوق والمواطن.

تطوّر هذا السكن العشوائي، وجاءت أسر كثيرة من قبائل متعددة واستقرّت فيه، ومن أسر الأنقولو من رحل إلى مناطق أخرى ومن مات، ولم تبقَ إلا أسر قليلة معدودة. واستمرّ العشوائي مصدراً لتهديد أمني وصحي للمنطقة، والمسألة هنا ليست أزمة إنسان يبحث عن سكن، بل أخطر من ذلك بكثير.

أهل أبوعشر حدّدوا موقفهم من قضايا التعديات على الأراضي والسكن العشوائي الذي تفاقم وأصبح مهدداً مباشراً، ولكن البعض يخافون من ردّة فعل بعض المنظمات الحقوقية تجاه أي تصرّف. وأنا هنا أؤكد أن مجتمع المدينة متسامح للغاية، وتقطنها إثنيات مختلفة منذ أكثر من نصف قرن، ومنهم من امتلك المنازل ويقيمون الآن بصورة دائمة، لهم ما لغيرهم وعليهم ما على غيرهم من الحقوق والواجبات، حتى لا يعتقد البعض أن الموضوع متعلق بقبيلة محددة أو سحنة بعينها.

شباب السكن العشوائي – ومنهم الأنقولو تحديداً – شاركوا مع مليشيا الدعم السريع كمجموعات، ووجدوا ضالّتهم في تقنين الفوضى. وأنا لا أكتب هذا من الخيال، فقد ضُبطت مجموعة منهم داخل جزء من منزلنا في وضح النهار، بعد أن سرقوا بعض الممتلكات، وتعرّفنا عليهم بالاسم، كما تعرف عليهم الجيران أيضاً، وهم يسكنون العشوائي وكانوا مستنفرين مع الدعم السريع..!

تبقى الجدية في التعامل مع هذه الملفات ضرورة، فقد لاحظنا أن السلطات الأمنية تميل إلى حشد المعلومات غير الدقيقة دون تحليلها لتحديد الأخطر منها للتعامل معه، لذلك بقي عدد من أبناء المنطقة داخل السجون، بينما يتمتع الأخطر بالحرية.

بعض الجهات تحاول تصوير السكن العشوائي كقضية حقوقية تتعلق بحق السكن والتملك، ولكن الموضوع أخطر من ذلك بكثير، إذ يمسّ مباشرة الأمن والأمان في المناطق المحيطة، بعد أن تحوّلت هذه العشوائيات إلى بؤر للفساد ومأوى للمجرمين والمتفلتين.

كنّا ننادي بإزالة السكن العشوائي لما فيه من مخاطر أمنية قبل الحرب، ونجدد الآن نفس النداءات، ففي كل يوم يمرّ على هذه العشوائيات تزداد المخاطر، وتتطور المشكلة من عدة بيوت إلى حي كامل يصعب التعامل معه. ومع اتساع الحي تتسع مساحات الجريمة من خمور إلى مخدرات وتشعباتها، وأبوعشر تدفع الآن ثمن التصالح مع الأمر..!

تواجد الجنوبيين في المنطقة غير مخيف ومقدور عليه، إنما القضية الأكبر في إزالة ذلك الحي، ومعه مشاكل التعديات على أراضي أبوعشر والممتلكات الخاصة، وكذلك التعديات على مقابر عبدالصادق وود عيّاد..!

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى