تقارير و تحقيقات وحوارات
أخر الأخبار

الرقابة الإشعاعية في السودان .. المؤسسة الغائبة عن أخطر مشهد في تاريخ البلاد !

• في الوقت الذي يفترض أن يكون الجهاز في قلب الحدث، اختفى قادته عن الأنظار تمامًا 

غياب الجهاز عن هذه الأنشطة يعني عمليًا دخول البلاد في منطقة عتمة إشعاعية

• من حق السودانيين معرفة الحقيقة فالمعلومة الدقيقة هي السلاح الأقوى في مواجهة الخوف 

اعداد : فريق صباح نيوز

(منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023م ، واجهت مؤسسات الدولة اختبار البقاء. بعضُها نقل نشاطه إلى بورتسودان، وأخرى واصلت عملها رغم الدمار والانقسام ، لكن وسط كل هذه الفوضى، غابت جهة واحدة كان يُفترض أن يكون وجودها في صدارة المشهد — الجهاز الوطني للرقابة النووية والإشعاعية فاختفاء هذه المؤسسة الحيوية طرح تساؤلات ملحّة : أين الجهاز؟ ولماذا صمت في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إليه؟ ثم ما هي خطة تقييم التهديدات ؟ وكذلك الخطة القومية للطوارئ الإشعاعية .. ما وضعها مع الحرب وهل غطت التحديات الناتجة عن الحرب ؟).

فراغ عريض

يكشف تتبّع “صباح نيوز” أن غياب الجهاز لم يكن عرضيًا أو مؤقتًا، بل خلّف فراغًا رقابيًا خطيرًا على المستويين الأمني والصحي.فهو الجهة الوحيدة المسؤولة عن رصد الأنشطة الإشعاعية ومراقبة سلامة المصادر المشعّة ومنع تسربها أو استخدامها في أغراض غير مشروعة غيابه ترك البلاد مكشوفة أمام احتمالات متعددة — من سرقة المواد المشعة إلى التلوث الإشعاعي الناتج عن الحرب أو التعدين العشوائي.

صمتٍ مريب

يرأس مجلس إدارة الجهاز الوطني للرقابة النووية والإشعاعية البروفيسور محمد طه شقدي لكن منذ اندلاع الحرب، لا يُعرف إن كان المجلس قد اجتمع أو أصدر أي توجيهات أما الأمين العام، البروفيسور محمد حسن أبو أذنين، فقد استقر في مصر منذ أبريل 2023م، بحسب مصادر “صباح نيوز”، ولم يعد لمباشرة مهامه غياب القيادة التنفيذية عطّل مهامًا حساسة تتعلق بسلامة البلاد الإشعاعية، في وقت يتزايد فيه استخدام المواد المشعة في الطب والصناعة والتعدين.

 في دائرة الخطر

يقع المقر الرئيسي للجهاز في ضاحية الرياض بالخرطوم، ويضم معمل دعم الأمن النووي المجهز بأحدث التقنيات بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكن خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة، كان المقر خارج السيطرة، ولا توجد تقارير رسمية عن حجم الأضرار أو مصير المعدات الحساسة داخله في الوقت نفسه، يلف الغموض مخزن النفايات المشعّة في سوبا التابع لهيئة الطاقة الذرية السودانية هل تعرض لأي تلف أو عبث؟ هل خضع للتفتيش بعد الحرب؟ لا أحد يملك إجابة قاطعة.

فراغ رقابي

يُعد الجهاز الوطني للرقابة النووية الجهة المسؤولة عن إصدار تراخيص الاستخدام الإشعاعي في البلاد، سواء في القطاع الصناعي أو الطبي لكن مع غيابه، توقفت إجراءات التفتيش الدورية والتراخيص الجديدة، مما ترك عشرات المنشآت تعمل دون رقابة مباشرة في القطاع الصناعي، تشمل التطبيقات الإشعاعية فحص اللحام بأنابيب النفط وسبر الآبار وقياس المستويات في مصانع الأسمنت والمشروبات الغازية أما في القطاع الطبي، فتشمل أقسام الأشعة والعلاج الإشعاعي والطب النووي في مستشفيات الخرطوم ومدني وشندي ومروي.

شائعات بلا رد

منذ شهور، تتردد شائعات حول تلوث إشعاعي محتمل في بعض مناطق العاصمة، لكن لم تصدر أي بيانات رسمية من الجهاز توضح الحقائق أو تنفيها هل أجريت قياسات ميدانية؟ هل تمّ التحقيق في مزاعم التلوث؟ ما الآلية التي استخدمت؟ كلها أسئلة ظلّت بلا إجابة.

تجاوزات بلا تجديد

ينصّ قانون الجهاز لعام 2017 على أن دورة مجلس الإدارة والأمين العام تستمر لأربع سنوات فقط، قابلة للتجديد مرة واحدة لكن البروفيسور أبو أذنين ومجلس الإدارة الحالي استمروا في مواقعهم لأكثر من ثماني سنوات دون تجديد رسمي، في تجاوز واضح للنص القانوني فهذا التجاوز يعكس أزمة حوكمة ومساءلة داخل المؤسسة، ويؤكد الحاجة إلى إصلاح إداري شامل يعيد للجهاز حيويته واستقلاله المهني، يُذكر أن للجهاز مكتبًا فرعيًا في بورتسودان داخل مباني الجمارك لمباشرة بعض المهام، فيما يتوزع عدد من العاملين بين الداخل والخارج، وبعضهم مفرغ للدراسات العليا.

 في زمن الانكشاف

منذ أكثر من عام ونصف، لم يصدر الجهاز الوطني للرقابة النووية والإشعاعية بيانًا واحدًا للرأي العام، ولم يُعلن عن أي نشاط ميداني أو خطة للطوارئ حتى موقعه الإلكتروني وصفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي صامتة ففي بلدٍ تعصف به الحرب، وينتشر فيه التعدين العشوائي والانفلات الأمني، يصبح غياب هذه المؤسسة ثغرة لا يمكن تجاهلها ليبقى السؤال: هل ما زال الجهاز موجودًا حقًا كوجود فعلي مؤثر ؟ أم أنه أصبح مؤسسة منسية في زمنٍ يحتاجها السودان أكثر من أي وقت مضى؟

علامات إستفهام

فبرغم أن جميع المؤسسات الرسمية والحكومية ظلت موجودة وحاضرة وتمارس مهامها رغم ظروف الحرب وبعضها قرر العودة لمباشرة المهام من الخرطوم .. لكن الجهاز الوطني للرقابة النووية والإشعاعية ظل غائباً.. إنه غياب يثير الكثير من التساؤلات والإستفسارات ويرسم علامات الإستفهام والتعجب !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى