رابط المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية والإخوان المسلمين: تأزيم وضع السودان والمخرج المدني الديمقراطي

صديق الصادق المهدي
1. الخلفية الفكرية والإنكار السياسي:
استشعر قادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية اتجاه الولايات المتحدة وجهات دولية وإقليمية عديدة لتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، فتتابعت تصريحاتهم لنفي صلتهم بالإخوان المسلمين.
العلة التي تشترك فيها كل هذه التنظيمات هي، كما ورد في كتابات الإمام الصادق المهدي عليه الرحمة والرضوان: مقولة الشيخ أبو الأعلى المودودي بـ”الحاكمية لله”، والتي تبناها الأستاذ سيد قطب في الإطار العربي، وتبناها الإمام الخميني في الإطار الشيعي.
فعندما يعتبر السلطان أنه “ظل الله في الأرض”، وأن “المال العام هو مال الله”، فهذا يجعله فوق المحاسبة والمساءلة، فيتسلط ويستبد ويستعلي على الآخر الوطني وينفرد بالأمر ويستحل المال العام فينهبه للخاصة، ويخترق ويهشم مؤسسات وأجهزة الدولة ويمكّن الخاصة ويقصي أهل الكفاءة من العامة. يقوم بكل هذه الكوارث السياسية ويقسّم المواطنين، فيصبح الخاصة وأهل الولاء مواطنين من الدرجة الأولى، والآخرين من “جهات وأعراق وديانات وحتى جماعات إسلامية تخالف ما عليه حركة التمكين الإسلاموية” درجاتهم أدنى في المواطنة.
2. الحركة الإسلامية الحاكم الفعلي:
كانت الحركة الإسلامية هي الحاكم الفعلي للسودان منذ انقلاب الإنقاذ وحتى ثورة ديسمبر المجيدة، فالسياسات سياساتها والقرارات قراراتها. قال البشير: “الدولة هي دولة الحركة الإسلامية”.
المؤتمر الوطني تنظيم فضفاض على شاكلة الاتحاد الاشتراكي، يشركون فيه وفي حكومته من يقبل بالحكم التسلطي الشمولي مقابل تلبية مصالحه ومصالح جماعته الخاصة، لذلك هو واجهة، عقلها وأساسها ومحركها الحركة الإسلامية.
3. موبقات عقود التسلط الثلاثة:
في فترة العقود الثلاثة “من انقلاب الإنقاذ في 1989 وحتى عبور ثورة ديسمبر في 2019”، ارتكبت الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني الكثير من الموبقات والكوارث الوطنية التي هتكت النسيج الاجتماعي وهشمت مؤسسات الدولة، وهيّأت البلاد لاشتعال الحروب العديدة، وآخرها حرب 15 أبريل التي أوقدت شرارتها الأولى. من هذه الموبقات:
أولاً: الانقلاب على الدستور والحكم الديمقراطي:
وذلك لقطع الطريق على المؤتمر القومي الدستوري لتحقيق السلام برؤية وطنية خالصة في 18/9/1989. كذلك قطع الطريق على اتفاقية الشراكة الاستثمارية مع اليابان، توفر اليابان التمويل والخبرة الفنية ويشارك السودان بالموارد والإدارة والكادر البشري، وتُقسم الأرباح بنسبة بين البلدين لفترة بعدها يؤول كل شيء للسودان. إذا تُرك انقلاب “الإنقاذ” الفرصة لهاتين الاتفاقيتين لكان السودان اليوم من دول العالم الثاني.
المفارقة أن سلطة الإنقاذ عندما أدركت أهمية السلام ركزت فقط على كسب ود المجتمع الدولي وتجاهلت كل كلام عن توحيد الجبهة الداخلية، فجنى السودان من اتفاقية السلام استمرار التسلط الإنقاذي وانفصال الجنوب.
ثانياً: الإبادة الجماعية والانتهاكات:
ارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور، وقتل المدنيين من متظاهرين “200 في سبتمبر، و400 في ديسمبر”، وعشرات الطلاب، وعشرات بالتعذيب “الدكتور علي فضل، والأستاذ أحمد الخير”، وموبقة تعيين شخص في جهاز الأمن في وظيفة “مغتصب!”.
ثالثاً: اختراق المؤسسات وإنشاء المليشيات:
اختراق أجهزة ومؤسسات الدولة النظامية والمدنية بكوادر التمكين التي تأهيلها الولاء الهزيل، وحكم البلاد عبر جهاز الأمن والمخابرات “الوطني”. أضعفت القوات المسلحة بإنشاء المليشيات والجيوش الموازية: الدفاع الشعبي، الجنجويد، والدعم السريع “ أنشأه البشير وقنّنه المجلس الإنقاذي”.
وعندما احتج المدنيون “على رأسهم الإمام الصادق ومنهم إبراهيم الشيخ” على ذلك، حوكموا وسجنوا بتهمة تهديد الأمن القومي!
رابعاً: حلّ الأجهزة الرقابية ونهب الموارد:
حلّت الإنقاذ كل مؤسسات وأجهزة الدولة الرقابية لنهب البلاد وتمكين جماعتهم، فحازوا على العطاءات بلا تأهيل ونهبوا الأراضي ونهبوا الأموال “يُقدَّر المبلغ المنهوب بـ 100 مليار دولار – دخل عقد البترول 90 مليار، واستثمارات أجنبية 83 مليار، وقروض بلا إحصاء كثير منها تم نهبه”.
خامساً: الإضرار بسمعة السودان دولياً:
مرمط الإنقاذيون سمعة السودان وصدر ضده في عهدهم عشرات القرارات من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، رأس النظام وقادة المؤتمر الوطني مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية. الحكم “المخفف” الذي صدر مؤخراً تجاه كوشيب هو إدانة لكل نظام المؤتمر الوطني.
سادساً: التهميش التنموي:
تجاهل الإنقاذيون أقاليم السودان وركزوا على “مثلث حمدي” والخرطوم.
خلص بحث د. بامكار إلى أن الصرف التنموي 1995–2000 كان:
• 75٪ لولاية الخرطوم
• 7٪ للأوسط والشمالي والشرقي
• 2٪ لكردفان ودارفور
فبلغ فقر شمال دارفور 96٪، بينما نسبة الخرطوم 26%!
*هذه الموبقات وغيرها هي التي أفْقرت السودانيين وهتكت النسيج الاجتماعي وصنعت و/ أو هيّأت البلاد للحروب.
والمفارقة تبرؤ الحركة الإسلامية من الإخوان المسلمين، والحقيقة أن نموذج حكمهم في السودان كان السبب في إقصاء إخوانهم في البلدان الأخرى؛ فمن يتبرأ من مَن؟!
4. ثورة ديسمبر المجيدة:
هبّ شعب السودان بكل مكوناته: نساؤه، شبابه، رجاله، مهنيّوه، أحزابه، مجتمعه المدني، طرقه، قبائله، مدنه، أريافه؛ هبّوا جميعاً لاقتلاع نظام الإبادة والتمكين والفساد والاستبداد، نظام المليشيات وتعدد الجيوش.
كانوا يقتلون الثوار السلميين، ويعلّق البيان الرسمي الاتهام على “طرف ثالث!”.
الشعب السوداني بإرادته وتضحيته وإقدامه أسقط تسلط وتمكين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني.
إرادة الشعب وثورة ديسمبر المجيدة هي التي قررت إقصاء الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؛ فهي قرار وشأن داخلي سوداني أسبابه موضوعية، مرتبطة بالاستعلائية والأنانية والتدميرية للدولة والمجتمع، ولا تتعلق بالرفض والقبول والحب والكراهية؛ فمشروعنا المدني الديمقراطي يحترم حقوق المواطنة.
5. بطء وإنجازات فترة الانتقال:
رغم بطء الأداء وبعض التخبط، تحققت إنجازات عديدة، أبرزها:
• إعفاء 50 مليار دولار من ديون السودان
• برنامج الإصلاح المؤسسي
• الترتيب بالخطة والتمويل لحل جذري لمشكلة الطاقة “الكهرباء والبترول”
• التوسع في الزراعة (منها مشروع WFP لإنتاج الغذاء في السودان)
• الاتفاق على 15 مليار دولار مساعدات ومنح
تحسن اداء الاقتصاد في النصف الأول 2021:
• الإنتاج المحلي +25٪
• عائد الصادر +100٪
كان السودان مهيأً للانطلاق، لكن انقلاب أكتوبر 2021 من الجيش والدعم السريع وعدد من الحركات والمؤتمر الوطني أوقف المسار.
التهيئة للانقلاب تمت باحتجاجات مصنوعة وإغلاق الشرق.
وكان انقلاب أكتوبر مساراً حتمياً لحرب 15 أبريل.
6. حرب 15 أبريل:
التصعيد المتبادل جعل الموقف قابلاً للاشتعال.
الشواهد تشير لمليشيات المؤتمر الوطني، لكن التحقيق يجب أن يكون للجنة مؤهلة.
ارتُكبت في الحرب جرائم بالغة الفظاعة في المدنيين. توصلت لجنة تقصي الحقائق لان الدعم السريع والمليشيات المرتبطة به ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضدالإنسانية، ولان الجيش والمليشيات المرتبطة به ارتكبت جرائم حرب.
الضحايا أطفال ونساء ومدنيون ونظاميون—وكلّه دم سوداني.
يجب إيقاف الحرب بلا تأخير، وإحالة الاتهامات للجنة مستقلة، والابتعاد عن الشروط التي تزيد معاناة المدنيين.
7. مبادرة الرباعية:
استمرار الحرب تسبب في أكبر كارثة إنسانية بالعالم، وهدد امن البحر الأحمر ومصالح أمريكا والسعودية والإمارات ومصر.
فأصدروا بياناً يتطابق مع رغبات مواطني السودان:
• إيقاف الحرب
• وحدة وسيادة السودان
• حماية المدنيين وتوصيل المساعدات
• حل سياسي سلمي
• مستقبل مدني ديمقراطي
•مستقبل السودان لا تمليه الجماعات العنيفة المتطرفة.
• إيقاف الدعم العسكري الخارجي
• مساعدة السودانيين وحشد الدعم الدولي لتوفير احتياجات التعافي المبكر.
البداية بهدنة 3 أشهر ، تتطور لوقف دائم لإطلاق النار، ثم 9 اشهر للعملية السياسية التي يمتلكها السودانيون.
القائد العام للقوات المسلحة رحّب في البداية، ثم تراجع.
الدعم السريع أيد رسمياً لكن لم تنعكس التزاماتهم على الأرض.
المناشدة لقيادة القوات المسلحة الاستجابة لما يحقق تطلعات مواطني السودان بالتعاطي الايجابي مع الرباعية.
والمناشدة لقيادة الدعم السريع الوفاء بالتزاماتهم والتعاطي الايجابي مع المبادرة.
8. المؤتمر الوطني:
الجهة الوحيدة التي أعلنت موقفاً واضحاً ضد المبادرة، محتجين بالدور الأجنبي!
والحقيقة أنهم طول فترة حكمهم اعتمدوا على الأدوار الخارجية فيالاتفاقيات المبرمة، فخلال حكمهم:
• اتفاقية السلام الشامل تمّت بأدوار خارجية
• تعاملوا مع أمريكا والمخابرات الغربية
• ارتبطوا بشبكات الإرهاب، وباعوا ملفاتها
• جهاز أمنهم قتل منفذي محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك
هم يتعاملون مع “الجن الأحمر” لحماية التمكين. المؤتمر الوطني أقصته موبقاته، وليكونوا جزءا من المشهد، مطلوب منهم: مراجعة النفس، احترام إرادة السودانيين، التخلي عن الانقلابات والعنف، واستخدام اليات العمل السلمي المدني.
9. المشروع العسكري الشمولي:
أثبتت التجربة الطويلة المريرة فشله.
وسائله: التسلط، والانقلاب، وفرض الأمر الواقع.
نتيجته: إضعاف الجيش، إنشاء الجيوش الموازية، انتشار الحركات المسلحة.
تعدد الجيوش يقود للفوضى وللحروب.
السودان يحتاج جيشاً واحداً قوياً بلا اختراق ولا تطلع سياسي.
تفتيت البلاد وتقاسم السيطرة بين الجيش والدعم السريع والحركة الشعبية وحركة تحرير السودان، يجب أن ينتهي بالتوافق على المشروع الوطني:
• سلام شامل
• وجيش واحد
• وحكم مدني ديمقراطي فدرالي
10. المشروع المدني الديمقراطي – مشروع ثورة ديسمبر:
مستقبل السودان مدني ديمقراطي.
وهو المشروع الوحيد القادر على:
• إيقاف الحرب
• الحفاظ على وحدة السودان
• بناء دولة المؤسسات التي تحقق العدالة والمساواة
• تفجير الطاقات الإنتاجية لفائدة كل المواطنين وبمشاركتهم
• التعاون مع المجتمع الدولي والاقليمي، والحفاظ على المصالح الوطنية العليا
خلاصة القول أن المشروع المدني الديمقراطي ليس خياراً سياسياً فحسب بل إنه ضرورة لبقاء السودان، ولتماسك شعبه، وهو المشروع الوحيد القادر على إيقاف الحرب والحفاظ على وحدة شعب وأرض السودان، وتفجير طاقات البلاد الإنتاجية واستغلال موارد البلاد، وبناء مؤسسات دولة نظامية ومدنية قوية تقدم التنمية والخدمات لشعب السودان، ولإعادة بناء دولة عادلة آمنة قادرة تحقيق تطلعات شعبها الذي قدّم أثمن التضحيات. المشروع المدني الديمقراطي قادر على تحقيق توافق داخلي بين الأطراف السودانية على تباينها، وقادر على التعاون مع المجتمع الدولي والإقليمي وتحقيق المصالح المشتركة انطلاقاً من المصالح الوطنية العليا.



