سياسية
أخر الأخبار

إثيوبيا.. تغذية الصراعات في شرق إفريقيا

الدمازين / النذير إبراهيم العاقب 

ظلت تعمل إثيوبيا طوال فترات طويلة، وخاصة التي أعقبت بداية الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023م على إدارة ثلاثة ملفات خارجية متوازية، تسعى من خلالها إلى تعزيز نفوذها الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، حتى وإن جاء ذلك على حساب الأمن القومي لدول الجوار المباشر، وذلك وفق ملفات ووقائع ميدانية ظاهرة للعيان، والتي تتمثل في السودان وإريتريا والصومال، ضمن مقاربة تقوم على توظيف الأدوات السياسية والعسكرية واللوجستية لإعادة رسم موازين القوة في الإقليم، بدعم إماراتي واضح في مسارات متعددة.

حيث أن أثيوبيا في ما يخص الملف السوداني، قامت بفتح الباب فعلياً أمام إنشاء قواعد تدريب عسكري مخصصة لمليشيا الدعم السريع، وذلك بتمويل مباشر وإشراف لوجستي ومشاركة ميدانية مباشرة من جانب دويلة الإمارات العربية المتحدة، في تطور يُعد الأخطر منذ إندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023م. ويعكس هذا التوجه حالة من التماهي السياسي والعسكري بين إثيوبيا والإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع المتمردة في مواجهة القوات المسلحة السودانية، بما يُسهم في إطالة أمد الصراع ويفتح المجال أمام تصعيد إقليمي واسع يتجاوز حدود السودان.

ولا يقتصر التحرك الإثيوبي على الساحة السودانية، بل يمتد إلى الصومال عبر مسار سياسي مثير للجدل يقوم على التقارب مع إقليم صوماليالاند الإنفصالي، في تجاهل صريح لموقف الحكومة الفيدرالية في مقديشو الرافض لأي تعاون أو ترتيبات تمس وحدة الأراضي الصومالية. ويُنظر إلى هذا المسار باعتباره جزءاً من سعي إثيوبيا إلى تأمين موطئ قدم بحري على خليج عدن، ضمن حسابات إستراتيجية تتجاوز الأطر الدبلوماسية التقليدية.

أما على الجبهة الإريترية، فظلت أديس أبابا ومنذ أمدٍ طويل تتبنى سياسة ضغط سياسي وعسكري متصاعد، ترافقت مع خطاب علني حول الحق في الوصول إلى البحر الأحمر، الأمر الذي أثار مخاوف جِدِّيَّة في أسمرا من إنزلاق التوتر القائم بين البلدين إلى مواجهة عسكرية مفتوحة. ويضع هذا المسار منطقة القرن الإفريقي أمام مرحلة شديدة الحساسية، تتداخل فيها الطموحات الجيوسياسية مع هشاشة الأوضاع الأمنية، في ظل غياب أي أفق واضح لإحتواء التصعيد المتسارع.

وفي هذا التقرير، نرصد بالتفصيل، إستناداً إلى روايات مصادر مطلعة على دوائر صنع القرار في السودان وإثيوبيا، تحدثت معنا حول طبيعة التحركات الإثيوبية في الملفات الخارجية المختلفة، وكيف تسعى أديس أبابا إلى فتح أو تغذية جبهات صراع متعددة في القرن الإفريقي.

بدءاً بملف مليشيا الدعم السريع، حيث حصلنا خلال الفترة الماضية ومن مصادرنا الخاصة مز داخل إثيوبيا، وخاصة من قلب أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول على وثائق وخرائط تفصيلية تُظهر إقامة إثيوبيا قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب قُرب الحدود السودانية الشرقية، وتحديداً في مناطق قريبة من إقليم بني شنقول، تُستخدم لتنفيذ تدريبات واسعة النطاق لعناصر من مليشيا الدعم السريع المتمردة، بالتنسيق المباشر مع ضباط إماراتيين، وبمشاركة خبراء عسكريين أجانب في مجالات الإتصالات والطائرات المُسيَّرَة والحرب غير النظامية.

تفاصيل القاعدة العسكرية

وفي السياق إعتبرت الحكومة السودانية هذا التطور إِنتهاكاً صارخاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتهديداً مباشراً لوحدة السودان وإستقراره، فضلاً عن كونه عاملاً رئيسياً في إِطالة أمد الحرب وتعقيد أي مسار تفاوضي محتمل.

وبحسب مصدر حكومي سوداني مُطَّلع، فإن الحكومة السودانية أرسلت قبل نحو أسبوعين مذكرة رسمية إلى الإتحاد الإفريقي، مرفقة بالأدلة والخرائط والصور التي بحوزتها، تشكو فيها ما وصفته بالدور الإثيوبي.. الإماراتي المشترك في دعم وتدريب مليشيا الدعم السريع. وتضمنت المذكرة تحذيراً واضحاً من أن إستمرار هذا الدور من شأنه زعزعة الأمن الإقليمي، ليس فقط في السودان، بل في دول الجوار كافة، بما في ذلك تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا نفسها، في ظل الطبيعة العابرة للحدود للنزاع الحالي.

الأمر الذي يستوجب ضرورة التحرك الاستباقي الجاد من قبل الإتحاد الإفريقي لحسم التفلتات الإثيوبية الإماراتية درءاً لأي محاولات لزعزعة الأمن والإستقرار في السودان ومحيط البحر الأحمر بالتحديد، ناهيك من إمكانية تطوُّر الموقف في مجمل القرن الإفريقي وما جاوره وإشعال حرب واسعة النطاق في المنطقة ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى