تقارير و تحقيقات وحوارات
أخر الأخبار

كسلا التي رأيت .. مشاهدات عن الناس والواقع والحياة (2) 

كسلا / الهادي محمد الأمين 

– من أكبر المهددات المجتمعية التي تواجهها كسلا تتمثل في تفشي وتعاطي المخدرات علي نحو يجعل إنسانها في وجه العاصفة ومع إنتشارها يسهل الحصول عليها لأنها في متناول اليد وبحسب أقوال أهل المنطقة فإن المخدرات – بكل أصنافها وأنواعها ومسمياتها – غزت المدينة واخترقتها بشكل منظم مما تسبب في رفع معدلات الجريمة وتزايد السرقات وعمليات السطو والنهب والسرقات وارتكاب جرائم القتل بصورة غير مسبوقة بالمنطقة خاصة خلال الأشهر الأخيرة وببصمة وطريقة دخيلة علي المجتمع ، وتعاطي المخدرات تجاوز الذكور ليمتد للعنصر النسوي ويستهدف علي نحو خاص شريحة الشباب من الجنسين، ومع وجود جهود مجتمعية ومبادرات من ناشطين للحد من ظاهرة تعاطي المخدرات ومكافحتها عطفاً علي مساعي القوات الأمنية والشرطية (مكافحة المخدرات) إلا أن الظاهرة لا زالت تشكل هاجساً في الولاية فمغناطيس المخدرات يجذب أعداداً من الشباب ليتحول إلي سرطان وسوسة تنخر في جسد المجتمع الكسلاوي .

– تعاني كسلا كذلك من ظاهرة التعدي علي الساحات والميادين العامة والتغول علي الفسحات من قبل السماسرة خاصة في المناطق السكنية وبعض المواقع الإستراتيجية وتحويل هذه القطع وتغيير أغراضها واستشىرت العدوي حتي وصلت إلي مدينة حلفا الجديدة فانتشر فساد الأراضي وتجاوزاتها بشكل متسارع وأصبحت هذه الظاهرة مشكلة عصية علي الحل وأعيت من يداويها ووقفت السلطات أمامها عاجزة لقوة نفوذ مافيا الأراضي وصفقاتها المليارية الني تسيل لها اللعاب، علاوة علي قضية التصرف في الحيازات وتوزيع السكن العشوائي شرق الجبل والذي تعود ملكيته للمراغنة، والتعدي علي المدينة الرياضية بريفي كسلا مع توزيع قطع الأراضي وتغيير أغراضها، وتحويل الإستعمالات من (مرفق) أو (فسحة عامة) إلي سكني والتلاعب فيها ، وعلي ذكر الأراضي فإن ميدان الجمهورية تحولت مساحات منه لمكب نفايات وأصبح المصرف الذي يجاور الميدان الفسيح موقعاً لرمي الأوساخ كمان تم تخصيص جزء من الميدان كزريبة يتم فيها تجميع قطيع الضأن لبيعه مع استجلاب العلف والقصب والبرسيم مع وجود باعة الخراف داخل ميدان الجمهورية لدرجة أن المواطنين يطلقون علي هذه المحطة (الزريبة) بدلاً من ميدان الجمهورية ، فبدلاً من ذهاب المشترين وقطع المسافة من داخل كسلا إلي زريبة البهائم في منطقة شمبوب خلف الجبل يكتفون بشرائها من داخل زريبة ميدان الجمهورية.

– أما السوق الشعبي كسلا فالفوضي سيدة وعشوائي بلا منازع منازع والسماسرة يسيطرون علي حركة السفر بشكل كامل وعشوائي بلا أدني مسئولية مع غياب الرقابة علي كيفية الحجز وبيع تذاكر البصات السفرية في جميع خطوط النقل الخارجية للولايات الأخري فالوسطاء والكمسنجية هم من يحددون حركة السفر ويصطادون المسافرين ويسعّرون التذكرة في الخط الواحد أكثر من سعر فمثلا تذكرة كسلا – عطبرة تتفاوت قيمتها حتي داخل البص أو الشركة الواحدة فتجد راكب يحجز تذكرة بسعر 65 ألف جنيه وجاره في ذات البص يشتري تذكرة بواقع 60 ألف وآخر بـقيمة 55 ألف جنيه ومنهم من يجدها بواقع 50 ألف جنيه ، كما أن تذاكر السفر لا تباع في شباك التذاكر التابع للشركات وإنما في مواقع بالقرب من البصات حيث تكون التذاكر بحوزة السماسرة في ترابيز يتجمع حولها سمسار بائع التذاكر بحوزته منافستو لتسجيل أسماء الركاب ويحيط به مجموعة من الكمسنجية والجوكية الذين يقومون باستجلاب الركاب للتربيزة التابعة للسمسار أمام كل بص وهناك سماسرة يعملون خارج الأطر الرسمية المنظمة لعمليات السفر حيث يقومون ببيع تذاكر سفر الركاب في السوق لا تحمل اسم شركات ولا بصات ولا يوجد بها ختم الضرائب لتكون تذكرة رسمية وحتي البص أحياناً لا يحمل اسم شركة ، فلا أحد يعرف علي وجه الدقة هل يُدار السوق الشعبي وساحاته ومواقفه ومحلاته عن طريق المحلية أم بواسطة متعهدين؟ .

– تواجه كسلا كولاية حدودية ومنطقة مفتوحة بمساحات شاسعة وممتدة تحديات في الحالة الجنائية والأمنية والمجتمعية قد تخلف مضاعفات وتترك آثاراً سلبية علي مجمل الأوضاع في المستقبل القريب فإلي جانب ما أشرنا من تفشي تعاطي المخدرات وانتشارها فإن كسلا تحولت إلي (مستهلك وممر كمعبر ومقر) لها وذلك من خلال جرائم تهريب وتجارة المخدرات ونشاط المافيا وشبكات المخدرات حيث يمتلكون إمكانيات كبيرة وحركتهم لا تغطي كسلا وحدها لكنها تتصل بالبحر والأحمر وتمتد حتي القضارف وسهول البطانة ومناطق نهر ستيت وبالقرب من حلفا الجديدة ورغم إحكام الرقابة من السلطات وتزايد الضبطيات لكن تجارة وتهريب المخدرات لها سوقها وميدانها وتزداد يوماً بعد يوم ومع تجارة وتهريب المخدرات تنتعش جريمة تهريب وبيع الأسلحة والذخائر مع سهولة إقتنائها وحيازتها وكذلك تجارة وتهريب البشر (الهجرة غير الشرعية) التي ينشط فيها كبار التجار الذين يتحركون في فضاءات جغرافية واسعة وينشطون في تهريب الإريتريين والاثيوبيبن والصوماليين مما يجعل المنطقة ككل تقع ضمن نطاق أو حزام الجريمة المنظمة عابرة الحدود .

– ومع الإشارة إلي تزايد الجريمة المنظمة تبرز ظاهرة التسليح في كسلا كمهدد أمني من الدرجة الأولي حيث تكثر الحركات المسلحة التي تحتفظ بقوات عسكرية كبيرة وضاربة تلقت جرعات تدريبية مكثفة عمادها الشباب إلي جانب سلاحها وسياراتها القتالية ومكاتبها العسكرية الموزعة بخارطة إنتشار منتظمة داخل المدن وفي مقدمة ذلك قوات درع السودان ، قوات حركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم عبد الله دنيا وقوات حزب الأسود الحرة التي كانت تتبع لمبروك مبارك سليم ويقودها اليوم محمد صالح عابد إلي جانب قوات مؤتمر البجا قيادة موسي محمد أحمد وقوات مؤتمر البجا الأخري المسنودة من الناظر ترك، وقوات الحركة الوطنية للعدالة والتنمية التي أسسها محمد طاهر سليمان علي بيتاي ، وقوات الأورطة الشرقية الذراع العسكري للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داؤد وأخيراً وليس آخراً قوات الرشايدة الجديدة التي جاءت تحت مسمي الحركة الثورية لشرق السودان كأحدث حركة مسلحة يقودها ويشرف عليها مبارك أحمد حميد بركي، وكل حركة مسلحة تستند علي ظهير قبلي ومكون إجتماعي وأهلي مؤثر، وبدا لي من خلال التواصل مع هذه المجموعات حرصهم الشديد علي تفادي وتحاشي الإعلام وتلافي الصحافة والتهرب منها فمنهم من اعتذر عن المقابلة الصحفية وبعضهم برر ذلك بأنه خارج حدود كسلا والبعض الآخر رد بأنه خارج البلاد وآخرون وافقوا نظرياً ورفضوا عملياً مع تردد البعض منهم ما بين الموافقة والرفض لتكون النتيجة في مجملها عدم الرغبة في مواجهة الصحف.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى