مقالات الرأي
أخر الأخبار

جدوى وفد واشنطون مع نكسة الفاشر ! 

 

 

مكي المغربي 

 

عاد الوفد السوداني من واشنطون للبلاد ووصلتني أسئلة كثيرة عن جدوى الزيارة من الأساس وأجيب عليها اجمالاً : الذي جرى ضد السودان شعبًا وجيشًا وقوات مشتركة ومواطنين لم يكن مفاجأة، بل تنفيذ لما تم تبييته وتجهيزه سلفًا قبل جولة واشنطن، ولا شك البتة أن الدولة التي تدعم المليشيا لا تفعل ذلك بمعزل عن تبادل استخباري نشط مع أمريكا ، والسؤال الجوهري : ماذا كان سيتغير لو قبل السودان بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع المليشيا؟ هل كان سيوقف الغدر؟ وماذا لو ذهب السودان الى العكس ورفض الدعوة الأمريكية من الأساس؟ .

الجواب : لا شيء سينتج عن المفاوضات مع المليشيا سوى إضافة غطاء شرعي لجريمة مكتملة الأركان ، كانت موافقة السودان على التفاوض مع المليشيا ستُستخدم لتبرير تسليم إقليم دارفور برضا الحكومة الضمني، ولإضفاء صفة “اتفاق سياسي” على التغلغل المسلح بأي ذريعة، مثل اكذوبة “طلقة المدينة الرياضية” وقحت جاهزة للتسويق لم تكن تلك الموافقة لتوقف المذابح ولا الانتهاكات، بل لتمنحها شرعية دولية.

لذلك، تصرف حكومة السودان كان سليمًا ومحسوبًا الوفد ذهب إلى واشنطن، نجح في حجز التفاوض الرسمي داخل الحيز الثنائي مع أمريكا، ولم يتصلب بعدم الحضور، وبذلك عزز الموقفين السعودي والمصري وأبطل خيارين متناقضين :

الأول : أن يرفض السودان كل الجهود فيُغلق المسارات مع ثلاث دول ويدفعها بعيدا عن السودان وأقرب للإمارات لتنفرد بصياغة بيان الرباعية الذي يشرعن دخول المليشيا للفاشر (ولهذا لم يصدر البيان لأن المحتوى المطلوب اماراتياً تبخر)

والثاني : أن يقبل السودان بالوصفة الكاملة التي تساوي بين الجيش والمليشيا، فيقنّن انتشارها الإجرامي في دارفور.

فانجاز الوفد الأهم هو (إبطال الشرعنة)، والثاني هو الإبقاء على المسارات مع الدول الثلاث مفتوحة بعيدا من فرض الإمارات وسيطاً وقد يبدو الموقف السوداني للبعض مرتبكًا، لكنه في الحقيقة كان مربكًا وليس مرتبكاً وبه أصبح التوغّل المليشيي المدعوم بتسليح إماراتي جريمة فاقدة للشرعية السياسية والأخلاقية.

داخليًا، أكدت التجربة مجددًا أن وحدة الجبهة الوطنية هي الترياق الوحيد للمخطط العدواني الاستيطاني أما في الخارج، فقد أثبتت الدبلوماسية السودانية أن فن التفاوض ليس بحثًا عن حلول وسط، بل عن نزع الشرعية من الخصوم الخارجيين وتعزيز سيادة الدولة.

الوفد برئاسة الوزير محي الدين سالم، وحضور مدير الاستخبارات الفريق صبير، ونائب مدير المخابرات الفريق عباس اللبيب قدم سرداً لعدوان الإمارات في حضورها، وأكد مجددا أن الطرف الذي يتحدث مع أمريكا هو الدولة الشرعية الوحيدة في السودان، وأن ما يقابلها ليس “تأسيس” بل مليشيا تختبئ من ملاحقات الشعب السوداني والناشطين الامريكان يوجد “قوني دقلو”، شقيق السفاح ومعه توابع ومرتزقة يتسكعون في لوبي الفندق، وتشيعهم لعنات ضحايا السودان والفاشر.

نكسة الفاشر كشفت الموقف الأمريكي كما أعرفه جيداً ورددته كثيراً : الإدارة الأمريكية في كل مكان في العالم وليس السودان فقط، إما عدو صريح أو صديق سيّئ، ولا توجد في التاريخ المعاصر حالة يمكن وصف أمريكا فيها بأنها “صديق جيد” سوى علاقتها مع إسرائيل، وهذه بدورها بدأت تشهد انقسامًا داخليًا أمريكيًا حتى داخل معسكر الرئيس ترمب نفسه.

المنهج الواقعي يقودنا إلى التعامل مع هذا الوضع ووضع الخطط السياسية والدبلوماسية بناء علي إدارة المخاطر وتقليصها، وليس بناء على الأوهام والاستدراج بأن الاتفاق على بئر بترول سيبتلع الخطر الأمريكي كاملا، هذا خداع “سماسرة السياسة” والمنتفعين، والمغامرين نعم، صحيح التفاوض الإقتصادي مطلوب، ولكن الوحش لا يحب اللحم البارد بل من طبعه الافتراس، وسيهجم على الشخص الساذج الذي يقدم له فخذ البقرة، وهو يتوهم أنه سيكسب صداقته.

السودان، لن يقع في فخ الوساطة الكيدية أو التلاعبية Manipulative Mediation وهو أسلوب معروف تمارسه القوى الكبرى لصناعة التوازنات المزيفة لذلك، المطلوب اليوم هو فتح مسارات متعددة داخل أمريكا وفي المعسكر الغربي، وعدم اختزال العلاقة مع واشنطون في شخص أو شخصين أو قناة رسمية واحدة، او اتصالات سرية مع الوهم بانها تفضي إلى صفقة حاسمة فهذه إما أحلام أو فخاخ فأداء الوفد كان وطنياً ومحترماً، ولو كان بالإمكان اضافة حضور دارفور فيه من وزراء السلام كان أفضل ولو كانت هنالك انشطة جانبية أكثر .. أفضل

مجدداً .

فإدارة الظهر للغرب والتوجه شرقا تفكير شفاهي كسول، فقد سقط بشار الاسد وهو يصلى نحو موسكو، وما يوجد في طرطوس ليس مصنع بيرة ولكنه قاعدة روسية كاملة ولذلك لا شرق ولا غرب ينفع بدون صف وطني موحد، وهو ما يريدون ضربه بمزاعم وفزاعة خطر الاسلاميين بينما هم يسلمون على أبو محمد الجولاني بالاحضان والقبلات، ويدشنون مصطلح “الجهاديين المعتدلين”، ويرسلون المبعوث الأمريكي الى إمارة افغانستان الاسلامية ومعه صفقات عديدة فإقصاء الإسلاميين أكبر أكذوبة في تاريخ السياسة السودانية والتمادي فيها ليس سذاجة بل خيانة عظمى توجب الاعدام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى