
صباح أحمد
لنفترض أن الهدنة بين الجيش والدعم السريع نجحت، وسكتت البنادق أخيراً_ولو مؤقتاً_ بعد أن أنهكتها النار…
لكن ماذا عن الحرب الأخرى؟ تلك التي اشتعلت في صدور الناس، وما زالت تلتهم ما تبقّى من مودة ورحمة وعلاقات ووشائج؟!
فالحرب لم تكن على الأرض وحدها؛ مرّت على القلوب أيضاً، فمزّقتها كما يمزّق الرصاص الجسد.
أخرجت منّا ما لا نعرفه في أنفسنا، وأيقظت الوحش النائم في أعماق كل إنسان، حتى بتنا نأكل لحم بعضنا بالكلمات والشماتة والقسوة.
تغيّر الناس وتباعدوا…
صار الخلاف شرارة، والاختلاف معركة، والسكوت تهمة.
امتلأت القلوب بالعتب والكراهية، والوجوه بالشك والريبة، وكأننا نسينا أننا أبناء وطنٍ واحد، تظلّنا سماء واحدة، ونخاف المصير ذاته.
نحتاج إلى هدنة أخرى…
هدنة لا يوقّعها الساسة على الورق، بل نكتبها نحن على جدران القلوب.
نضع فيها خلافاتنا جانبًا، ونجرب أن ننظر لبعضنا بعين الرأفة لا بعين الغضب.
هدنة تُعيد للشارع ضحكته، وللبيوت دفئها، وللناس إنسانيتهم التي تاهت في زحام الكراهية.
فما قيمة سلامٍ بين الجيوش، إن لم نزرع السلام بين النفوس؟!
وما جدوى صمت البنادق، إن ظلّت القلوب تصرخ في وجه بعضها؟!
فهل نجرؤ على أن نوقّع هدنة بين القلوب؟!
وهل يمكن أن تحدث هذه الهدنة؟!



