فريق متخصص في التراث : إنهيار منظومة التراث غير المادي الذي ظل صامداً لعقود بالجزيرة

نقلت منصة (ودمدني نيوز) عن باحثين قضية تأثير حرب السودان ودورها في تمزق نسيج التراث غير المادي في ود مدني وتدفع ممارسات عمرها قرون إلى حافة الاندثار وكشف فريق عمل متخصص في تقييم التراث الثقافي النقاب عن كارثة إنسانية تهدد الذاكرة الجمعية للسودانيين، حيث أدت الحرب المستمرة إلى تمزيق النسيج الثقافي في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، مما يهدد ممارسات تراثية عمرها قرون بالاندثار ، وأجرى الفريق المكون من إسماعيل محمد توم السنوسي ونجلاء البشير عبد الرحمن وعلوية أحمد محمد نور ومنى صديق أحمد دراسة ميدانية شاملة، سلطت الضوء على انهيار منظومة كاملة من التراث غير المادي الذي ظل صامداً لعدة عقود.
إنهيار التقاليد الشفهية
وثق الباحثون انقطاعاً مأساوياً في سلاسل النقل الشفهي، حيث توقف نقل الحكايات الشعبية والأمثال والمرويات التاريخية التي كانت تتناقل عبر الأجيال ، وأظهرت الدراسة أن جلسات السمر التقليدية التي كانت تشكل مساحات حيوية لتمرير هذا التراث قد توقفت تماماً في العديد من الأحياء، مما يهدد بفقدان كنز من الحكمة الشعبية والمعرفة التاريخية.
فنون الأداء على حافة الانقراض
وكشف التقرير عن شلل تام أصاب فرق الفنون الشعبية، حيث توقفت العروض المسرحية والغناء التقليدي والرقصات الشعبية ووفقاً للدراسة، فإن العديد من الفنانين اضطروا إلى الهجرة، كما تعرضت الآلات الموسيقية التقليدية للضياع أو التلف، وفقدت أماكن التدريب والعرض التي كانت تمثل منارات للإشعاع الثقافي.
طقوس الاحتفاء تتراجع
وأظهرت النتائج تراجعاً حاداً في المظاهر الاحتفالية التقليدية، حيث أصبحت حفلات الزواج التقليدية بسيطة ومختزلة، وتوقفت الاحتفالات بالمولد النبوي والمناسبات الاجتماعية التي كانت تشكل إطاراً للتعبير عن الهوية الثقافية. كما انحسرت الطقوس المرتبطة بالمواسم الزراعية التي كانت تميز ولاية الجزيرة المعروفة بخصوبة أراضيها.
صمود مجتمعي في مواجهة النسيان
ورغم هذه الصورة القاتمة التي أظهرتها الدراسة الميدانية إلا أن التقرير الإستقصائي أبرز مبادرات مجتمعية ملهمة تمثلت في (التكايا) التي أصبحت فضاءات بديلة للممارسات الثقافية والطقوس الاجتماعية، هذه التكايا لم توفر الدعم المعنوي والنفسي فحسب، بل حافظت على شعلة التراث الحي متقدة في قلوب الناس.
مشاريع إنقاذ عاجلة
وقدم الفريق البحثي حزمة مشاريع طارئة لإنقاذ ما تبقى من التراث، تشمل ( مشروع ذاكرة مدني الصوتية الذي يهدف إلى توثيق التراث الشفاهي من حكايات وأمثال وأغاني شعبية ، ومبادرة أنغامنا السمحة لإعادة إحياء الفنون الشعبية ودعم الفنانين المتأثرين بالحرب علاوة علي برنامج اليد السودانية الذي يركز على إنقاذ الحرف التقليدية وخصوصاً صناعة الفخار في منطقة عترة ، ومشروع “التكية” لتوثيق الممارسات الاجتماعية المستجدة أثناء الحرب، ومهرجان ثقافي سنوي يجمع كل هذه المكونات التراثية.
إنقاذ التراث
وشدد الباحثون على أن إنقاذ التراث غير المادي ليس ترفاً ثقافياً، بل هو استثمار في السلام المستقبلي والتماسك الاجتماعي، وضمانة لعدم انقطاع الصلة بين الأجيال وضياع الهوية الثقافية للسودانيين وحذر التقرير من أن استمرار الوضع الراهن دون تدخل عاجل سيؤدي إلى خسائر لا تعوض في الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية للمجتمع السوداني، داعياً إلى تضافر الجهود المحلية والدولية لإنقاذ هذا التراث الإنساني الثمين.



