مقالات الرأي
أخر الأخبار

السودان في قلب التحوّل الإقليمي: دلالات تصريحات ترمب ودور الرياض في بناء شبكة أمان جديدة!؟

 

السفير.د.معاوية التوم

 

أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي والمرشح الجمهوري الأوفر حظاً دونالد ترمب حول السودان اهتماماً سياسياً واسعاً، ليس فقط لأنها كشفت دخولاً غير متوقع من جانب واشنطن إلى ساحة معقدة وفق احاطة وطلب سعودي، بل لأنها أظهرت حجم الدور الذي تضطلع به السعودية في إعادة ضبط مسار الأزمة السودانية. فقد أكد ترامب أن «ولي عهد السعودية يريدني أن أفعل شيئاً قوياً للغاية يتعلق بالسودان»، مشيراً إلى أن الملف «لم يكن ضمن خططه»، لكنه أدرك أهميته بعد المباحثات مع القيادة السعودية، قائلا بأن الوضع في السودان جنوني وخارج عن السيطرة.

هذا التصريح المكثّف وشكر رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان لكل من الرئيس ترامب وولي العهد السعودي على منصة اكس، يلخص تحوّلاً متصاعداً في تعاطي الرياض وواشنطن مع تطورات السودان، ويعكس إدراكاً وتفهماً مشتركاً بأن استمرار الحرب يهدد أمن البحر الأحمر واستقرار الإقليم، ويستدعي جهداً دولياً وإقليمياً متكاملاً لوقف التدهور ودعم الشرعية و مؤسسات الدولة السودانية.

أولوية سعودية… واهتمام أمريكي متجدد

توصيف ترامب للوضع في السودان بأنه «جنوني وخارج عن السيطرة» يكشف حقيقة مقلقة لدى دوائر القرار في الخليج والولايات المتحدة: أن الحرب السودانية تجاوزت حدودها التقليدية، وباتت تمسّ الأمن الاستراتيجي للدول المطلة على البحر الأحمر، بتدخلات من الاقليم وخارجه.

وقد برز في الشهور الماضية أن السعودية تنظر إلى السودان باعتباره ركناً أساسياً في أمنها البحري والإقليمي.

السودان… بين مخاطر التفكك وفرص الاستقرار

تعيش الخرطوم اليوم لحظة مفصلية تتضمن خيارين واضحين:

1. استمرار الحرب وتمدد آثارها الإنسانية ، وما تعنيه من تفاقم الانهيار الاقتصادي وتوسع التهديدات الأمنية في الإقليم.

2. الانتقال إلى مسار استقرار تدعمه السعودية والولايات المتحدة، ويستند إلى رؤية سودانية داخلية قادرة على إعادة بناء المؤسسات.

وتبدو الفرصة مواتية، طالما أن الإرادة الإقليمية والدولية تتقاطع اليوم عند نقطة مركزية:

ضرورة إنهاء الحرب، وتحصين الدولة السودانية، بتثبيت الرواية او السردية الرسمية وتأمين البحر الأحمر كممر دولي حيوي.

أولوية سعودية… واهتمام أمريكي متجدد

وصف ترمب للوضع في السودان بأنه «جنوني وخارج عن السيطرة» يكشف حقيقة مفادها أن الحرب السودانية تجاوزت حدودها الداخلية وأصبحت تمس الأمن الاستراتيجي للدول المطلة على البحر الأحمر.

لقد برز في الأشهر الأخيرة أن السعودية تنظر إلى السودان باعتباره ركناً أساسياً في أمنها الإقليمي، وأن أي فراغ أو انفلات في الخرطوم قد ينعكس مباشرة على:

• أمن السواحل الغربية للمملكة.

• سلامة خطوط الملاحة الدولية.

• استقرار المجتمعات الحدودية.

• توازن النفوذ في منطقة القرن الإفريقي.وتحييد المطامح الجامحة في موارد السودان والمشروعات الخارجية

ومن هذا المنطلق، تحركت الرياض لإقناع واشنطن بأن الملف السوداني يحتاج إلى مقاربة جديدة لا تكتفي بإدارة الأزمة، بل تهدف إلى احتوائها ومعالجة جذورها بشكل استراتيجي.

توافقات مع تصريحات ماركو روبيو

تزامنت تصريحات ترمب مع مواقف لافتة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي انتقد للمرة الأولى بشكل صريح الممارسات المزعزعة للاستقرار لقوات الدعم السريع، وأشار إلى تدخلات إقليمية وتدفق للسلاح ساهمت في إطالة أمد الصراع من بعض دول الجوار ومن الاقليم

هذا التطور وما حدث من تغير في المزاج الدولي تجاه الانتهاكات الصارخة للتمرد عقب الفاشر ومناطق كردفان، من وحي الادانات الدولية المتعددة ومجلس حقوق الانسان. بات يعكس انتقالاً من نهج أمريكي متردد إلى مقاربة أكثر وضوحاً، تتكامل مع الرؤية السعودية القائمة على:

• دعم مؤسسات الدولة السودانية.

• وقف التدخلات الخارجية السلبية.

• حماية البحر الأحمر من أن يتحول إلى بؤرة صراع جديدة.

، واستعادة السردية الرسمية ازاء ما يجري مكن لهذا التناغم بين الرياض وواشنطن وشكل نافذة لإعادة تدوير الجهود الدولية وبناء منصة تعاون جديدة تختلف عن المنصات السابقة التي شابتها الخلافات على خلفية اتفاق جدة بعيد الحرب.

البحر الأحمر… البعد الاستراتيجي الأخطر

لا يمكن فهم التحركات السعودية–الأمريكية دون قراءة البعد البحري للأزمة. فالخرطوم تقع على امتداد شريان حيوي يمثل:

• أحد أهم ممرات التجارة العالمية.

• بوابة لوجستية رئيسية للمنطقة.

• نقطة ارتكاز لمشاريع تنموية سعودية أمريكية كبرى.

أي اضطراب طويل في السودان، أو سيطرة مجموعات غير حكومية على طرق الإمداد، قد يحوّل البحر الأحمر إلى منطقة عالية المخاطر، والكلفة ، مماثلة للظروف التي عاشها خليج عدن سابقاً وتعيشها أوكرانيا حاليا.

لذلك تتحرك المملكة بوصفها قوة بحرية كبرى ومسؤولة عن استقرار محيطها، لإغلاق منافذ التهريب بكل اشكاله ووقف التدخلات التي قد تسهم في تدويل النزاع السوداني واعادة انتاج التمرد والحركات المسلحة.

منصة بديلة… وشبكة أمان جديدة

تراجع فاعلية «الرباعية» وإشكاليتها البنيوية وتباين مصالح أقطابها وما خلفه من تعقيدات على المشهد الميداني وكارثة إنسانية متمددة، دفع الرياض إلى تبني مقاربة جديدة تقوم على تحالف مرن ومتناغم يضم:

• الولايات المتحدة

• مصر

• قطر

• تركيا،

و يجد السند والمؤازرة الروسية والصينية داخل مجلس الامن الي جانب الدعم العربي والأفريقي والمجموعة الاسلامية ودول عدم الانحياز.

وتهدف هذه المنصة إلى:

• تقوية مؤسسات الدولة السودانية.

• وضع حدّ للتدخلات الخارجية.

• حماية المصالح المشتركة في البحر الأحمر.

• إطلاق عملية سياسية متدرجة تتمتع بغطاء إقليمي ودولي.

تمثل هذه المنصة الناشئة عملياً شبكة أمان جديدة يمكن أن تسهم في حماية السودان من مخاطر التفكك، وتمنح القوى الوطنية مساحة للتحرك نحو الاستقرار.

ماذا يعني “التحرك القوي للغاية” الذي طلبته الرياض؟

رغم عدم الكشف عن طبيعة الخطوة التي طلبها ولي العهد السعودي، تشير المعطيات إلى ثلاثة محاور رئيسية:

1. كبح التدخلات الخارجية في الصراع السوداني

عبر فرض ضغوط دولية منسقة لوقف تدفق السلاح والتمويل الخارجي والمرتزقة، بما يضعف قدرات مليشيا الدعم السريع ويدعم الدولة السودانية ميدانياً ومدنيا.

2. دعم مسار أمني يضمن حماية البحر الأحمر

يشمل تعزيز الدوريات البحرية، تطوير قدرات المراقبة الساحلية، وبناء منظومة ردع طويلة الأمد.

3. الدفع نحو عملية سياسية واقعية

تركز على شرعية الدولة السودانية، وتبتعد عن الأجسام الموازية التي ساهمت في إرباك المشهد خلال السنوات الماضية.

اقتصاد ما بعد الحرب… بوابة الشراكة الخليجية – الأمريكية

ترى الرياض وواشنطن أن السودان يمتلك مقومات ضخمة يمكن استثمارها بعد تثبيت الأمن، من بينها:

• ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة.

• مصادر الطاقة والمعادن.

• موقع جغرافي يؤهله ليكون مركزاً لوجستياً على البحر الأحمر.

ويمكن لهذا التحول أن يفتح الباب أمام شراكة تنموية واسعة تستفيد منها الشركات الخليجية والأمريكية في إعادة الإعمار، بتطوير البنية التحتية، وتعظيم قيمة الموانئ والطرق.

السودان… بين مخاطر التفكك وفرص الاستقرار

تعيش الخرطوم اليوم لحظة مفصلية تتضمن خيارين واضحين:

1. استمرار الحرب وما تترتب عليه من تفاقم الانهيار الاقتصادي وتوسع التهديدات الأمنية.

2. الانتقال إلى مسار استقرار تدعمه السعودية والولايات المتحدة، ويستند إلى رؤية سودانية داخلية قادرة على إعادة بناء المؤسسات.

وتبدو الفرصة مواتية طالما أن الإرادة الإقليمية والدولية تتقاطع عند نقطة مركزية: ضرورة إنهاء الحرب، وتحصين الدولة السودانية، وتأمين البحر الأحمر كممر دولي حيوي.

خاتمة

تصريحات ترمب، بالتزامن مع مواقف روبيو، تعكس بداية مرحلة جديدة في الملف السوداني، تتصدرها السعودية بدور ريادي يستند إلى رؤية واضحة لمستقبل المنطقة.تتجاوز ما كان عليه جدة من سلبيات وتؤسس لشراكة ثلاثية تضع الأوضاع في السودان على جادة الطريق وتحيد المواقف السالبة سواء من داخل الاقليم أو خارجه وتجفف منابع إمداد التمرد بالسلاح لتغذية الحرب واشعال المنطقة.

مع إدراك واشنطن لأهمية السودان في معادلة البحر الأحمر، من المتوقع أن يشهد الملف زخماً متصاعداً خلال الفترة المقبلة، يمهد لقيام شبكة أمان إقليمية–دولية منفتحة على اصدقاء السودان، توقف الحرب، وتعزز الاستقرار، وتفتح الباب أمام شراكات اقتصادية واسعة تعود بالنفع على السودان والمنطقة، وتكبح جموح المطامع الاقليمية ونتقاطع الارادات الماثلة في تمزيق السودان وتفكيكه.

وقد جاء ترحيب رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بهذه التحركات ليؤكد استعداد السودان للتعاطي مع أي جهد يعيد ضبط بوصلة المجتمع الدولي، شريطة أن يلتزم بمبدأ سيادة الدولة، ومحاربة التمرد، ورفض أي مقاربة تتجاوز مؤسسات الحكم الوطني. ويعكس هذا الترحيب قناعة بأن السعودية والولايات المتحدة—برصيدهما السياسي وعلاقاتهما الإقليمية—قادرتان على تصحيح مسار المبادرات الدولية وخلق بيئة تفاوضية لا تُكافئ العنف ولا تُشرعن الفوضى والدمار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى