
لأوّل مرة منذ اندلاع الحرب تتفق الأطراف السودانية—على اختلاف مواقفها وخلافاتها—على موقف واحد:
الترحيب بتصريحات الرئيس الأمريكي حول استعداده للمساهمة في حلّ الأزمة السودانية، عقب لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في واشنطن أمس.
هذا الترحيب المتزامن لم يأتِ من جهة واحدة فقط؛ فقد بادر رئيس مجلس السيادة البرهان بإعلان موقفه الإيجابي، ثم تبعته الحكومة و تحالف صمود، وعدد من الشخصيات والأحزاب المنضوية تحت لوائه .
وهذه الاستجابة المشتركة تمثل لحظة نادرة يمكن البناء عليها، لأنها تكشف عن قاسم وطني مشترك يتجاوز خطوط التوتر والانقسام.
ولعل وجود هذا القدر من التوافق حول أي مبادرة دولية أو إقليمية يُعدّ بحد ذاته مؤشراً مهمّاً لإستعداد الأطراف—ولو بدرجات مختلفة—للاقتراب من مسار سياسي جديد.
فالدور السعودي الأمريكي، إذا توافرت له الإرادة والدعم السوداني الداخلي، قد يشكّل منصة حقيقية لإحياء مسار السلام، خصوصاً إذا استُثمرت هذه اللحظة بعقلانية ومسؤولية.
كما أن الترحيب الواسع يعكس إدراكاً عاماً بأن استمرار الوضع الحالي لم يعد خياراً ممكناً خاصة وأن النزيف المستمر في الأرواح والموارد يفرض على الجميع البحث عن حل، أيّاً كانت الخلافات.
وإذا استطاعت القوى السودانية تحويل هذا التوافق العابر إلى أرضية مشتركة دائمة، فقد يشكّل ذلك نقطة تحول حقيقية تُعيد الأمل، وتفتح الباب أمام وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات، وتهيئة مناخ يهيئ للجلوس في حوار جاد.
إنّ البلاد اليوم في أمسّ الحاجة إلى لحظة عقل، وإلى خطوة شجاعة تعيد صياغة المشهد نحو سلام مستدام.
والترحيب الجماعي بهذه المبادرة قد يكون أول لبنة في طريق طويل، لكنه الطريق الوحيد القادر على إيقاف نزيف الدم، وفتح نافذة جديدة نحو مستقبل أكثر استقراراً للسودان وأهله.



