
خلونا في الصورة
صباح أحمد
في هذه الحرب، لم يعد الصمت موقفاً أخلاقياً، بل إختياراً سياسياً محسوباً..
بعض القوى السياسية التي ترفع شعار الحياد، أو تختبئ خلف لغة “الإدانة المتوازنة”، لا تفعل ذلك بحثاً عن العدالة، بل تهرّباً من تسمية الجريمة وفاعلها. فحين تُرتكب الفظائع علناً، ويُساوى بين الضحية والجلاد، يصبح الحياد غطاءً، ويغدو الصمت شكلاً آخر من أشكال التواطؤ.
الطرح الذي يفصل بين الإدانة الأخلاقية والتصنيف الإرهابي طرحٌ مضلِّل؛ فالتصنيف السياسي ليس حكماً قضائياً، بل موقف مبدئي اتخذته دول ومنظمات إستناداً إلى طبيعة الأفعال، لا إلى اكتمال التحقيقات.. لهذا يصبح تعليق توصيف قوات الدعم السريع على لجان تحقيق لم تُشكَّل بعد هو تهرّب صريح من اتخاذ موقف واضح.
قوات الدعم السريع مليشيا إرتكبت، وفق تقارير أممية وحقوقية، قتلاً جماعياً، وتطهيراً عرقياً، وإغتصاباً ممنهجاً، وتهجيراً قسرياً. وهي أفعال ترقى قانوناً وأخلاقاً إلى الإرهاب وجرائم الحرب، ولا تحتاج إلى إنتظار نهاية الحرب لتوصيفها.
أما الادعاء بأن المطالبة بتصنيف الدعم السريع تنظيماً إرهابياً تهدف إلى حماية “الفلول”، فهو مغالطة سياسية لا تصمد أمام الفحص المنطقي.
إدانة الدعم السريع لا تبرّئ الجيش ولا الحركة الإسلامية، ولا العكس؛ فالجرائم لا تُقايَض، ولا تُسقِط إحداها الأخرى. ومنطق “إما هذا أو ذاك” هو ذاته منطق الإفلات من المحاسبة الذي دمّر السودان.
الحقيقة البسيطة التي لا تحتمل اللف والدوران..
لا جيش فوق المساءلة..
لا مليشيا فوق الإدانة..
ولا حزب أو حركة يملك صك براءة لأنه “أضعف” خصومه سياسياً..
وأي قوى سياسية تعجز عن تسمية الجرائم بأسمائها، وتؤجّل الوصف الواضح بحجج إجرائية، تفقد أهليتها الأخلاقية للحديث عن العدالة أو قيادة مرحلة ما بعد الحرب؛ لأن السلام لا يُبنى على الغموض، ولا على الموازنات السياسية فوق دماء المدنيين.



