سياسية
أخر الأخبار

بيان عاجل من الحزب الشيوعي السوداني 

في الذكرى السبعين للاستقلال والذكرى السابعة لثورة ديسمبر المجيدة : الجماهير ما زالت قادرة على الفعل والتغيير

تحلّ الذكرى السبعون لاستقلال بلادنا، والذكرى السابعة لـثورة ديسمبر المجيدة، وشعبنا يواجه إحدى أخطر مراحل تاريخه الوطني؛ حيث تتجسّد حالة الدولة المنهارة في سلطتي أمر واقع تتقاسمان البلاد بين بورتسودان ونيالا، وتخوضان صراعًا دمويًا على السلطة والثروة، بينما تدفعان بالملايين إلى أتون الحرب والتشريد، وتنتهكان الكرامة الإنسانية، وتدمّران مقومات الحياة والبقاء.

وفي مواجهة هذا الواقع الكارثي، خرجت طلائع جماهير شعبنا في المدن والقرى، إحياءً لذكرى الثورة، لتؤكد أن ديسمبر لم تكن حدثًا عابرًا، بل مسارًا ثوريًا ممتدًا. وقد قوبلت هذه التحركات السلمية بقمعٍ وحشي تمثّل في إطلاق النار، والاعتقالات التعسفية، والانتهاكات الممنهجة، ومصادرة الحقوق والحريات الأساسية، بما يكشف، دون مواربة، الطبيعة الحقيقية لهذه السلطات بوصفها سلطات معادية للجماهير، لا ترى في الشعب سوى عقبة أمام مشاريعها الطبقية والسلطوية.

لقد عرّت هذه التحركات، رغم محدوديتها بفعل القمع والحرب، حالة الذعر التي تعيشها القوى المضادة للثورة، من كبار الضباط، وفلول الحركة الإسلامية، والمليشيات المتحالفة معهم في مركز السلطة. وفي المقابل، عبّرت عن مستوى متقدم من الوعي السياسي لدى القوى الوطنية الديمقراطية، وقدرتها على قراءة ميزان القوى، والانتقال من مراحل الدفاع والتجميع إلى الفعل الجماهيري المباشر، وطرح المواقف المبدئية في الفضاء العام، تأكيدًا لاستمرار النضال السلمي من أجل الحرية والسلام والعدالة، الشعار الجامع لثورة ديسمبر المجيدة.

إن هذا الحراك الجماهيري يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن جذوة الثورة لم تنطفئ، وأن الجماهير، متى ما توفّر لها التنظيم القاعدي الواعي والقيادة الثورية، قادرة على كسر معادلات القمع والحرب، وإفشال مخططات القوى المضادة للثورة.

فمنذ معارك الاستقلال الأولى، ورغم تذبذب وتواطؤ القوى السياسية المتنفذة، بين من دعا للوحدة مع مصر، ومن طرح استقلالًا منقوصًا بالانضمام إلى الكومنولث، رفعت القوى الوطنية الديمقراطية، وفي مقدمتها حزبنا، شعار الاستقلال التام وحق تقرير المصير. وبالعمل الجماهيري المثابر وسط العمال والمزارعين، والنقابات، وحركة الطلاب، والمثقفين، والنساء، فُرض الخيار الوطني المستقل على القيادات السياسية، وتحول الاستقلال إلى حقيقة تاريخية انتزعها الشعب بفعله المنظم.

وجاءت ثورة ديسمبر تتويجًا لتراكم طويل من النضالات والتجارب. فمن تجربة التجمع الوطني الديمقراطي، إلى توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا، وما أعقب ذلك من مشاركة في مؤسسات الحكم، تعلّم شعبنا، وأيقنت قواه الوطنية والديمقراطية، عبر مسار التجربة والخطأ، زيف أوهام الإصلاح من داخل منظومة السلطة الطبقية الشمولية، وانتقلت بوعي ثوري من المشاركة إلى المعارضة، ثم إلى إسقاط النظام.

وقد استند هذا التحول إلى طلائع ثورية شابة، وإلى بدائل تنظيمية جماهيرية أبدعتها حركة الجماهير المستقلة. وبمبادرة من الحزب الشيوعي السوداني، تشكّلت لجان المقاومة الشعبية بوصفها تعبيرًا حيًا عن التنظيم القاعدي الديمقراطي، وبديلًا ثوريًا للمنظمات الجماهيرية التي صادرها ودمّرها نظام الإخوان المسلمين. ومع تطور الصراع واتساع المشاركة الشعبية، تطوّر هذا الشكل التنظيمي إلى صيغ أوسع وأكثر رسوخًا عُرفت بلجان المقاومة، حيث تبلورت شعارات النضال، وتحولت إلى مطالب سياسية واضحة لإسقاط النظام وبناء سلطة شعبية ديمقراطية تعبّر عن مصالح الأغلبية الكادحة.

واليوم، وبعد أكثر من عامين من حربٍ مدمرة تخوضها طفيليات اقتصادية وبيروقراطيات عسكرية وأمنية متصارعة، لا ترى في الوطن سوى غنيمة، وتسعى لربطه بمحاور خارجية متنافسة، تطرح مهام عاجلة نفسها أمام الحركة الجماهيرية القاعدية، في مقدمتها: الوقف الفوري للحرب، وفتح المسارات الإنسانية دون قيد أو شرط، واستعادة مسار الثورة، وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي، وضمان عدم الإفلات من العقاب، وخروج العسكر والدعم السريع وكافة المليشيات من السياسة والاقتصاد، وتفكيك نظام التمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة، وإنجاز الترتيبات الأمنية الشاملة التي تفضي إلى حل جميع المليشيات وجيوش الحركات، وبناء جيش قومي مهني موحد يخضع لإشراف السلطة المدنية.

إن هذه المهام لا يمكن إنجازها إلا عبر الفعل الجماهيري المنظم، بوصفه المدخل الحقيقي لمعالجة الأزمة الوطنية الشاملة، والتمهيد لبناء بديل وطني ديمقراطي شامل، يصون استقلال الإرادة الوطنية ووحدة البلاد أرضًا وشعبًا، ويحقق العدالة والسلام والتنمية المتوازنة، ويقطع علاقات التبعية والاستقطاب الإقليمي والدولي، تعبيرًا صادقًا عن سيادة السودان واستقلاله.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى